تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مدينة الخليل

تعتبر مدينة الخليل من المدن العربية القليلة التي حافظت على استمرارية الاستقرار البشري فيها على مر العصور، على الرغم من عمليات التدمير والتهجير المستمرة التي تعرضت لها. وقد يكمن السبب من وراء هذه الاستمرارية في قدسيتها المميزة من جانب وموقعها الإستراتيجي والخصب من جانب آخر.

ارتبطت شهرة المدينة، بل استمرار وجودها على الرغم من التغييرات السياسية المتلاحقة، بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي حط ترحاله فيها، وأثر على تطورها لتحمل بعد الفتوحات الإسلامية اسمه وحتى الآن "خليل الرحمن"، أو ليختصر الاسم لاحقاً بـ"الخليل".

وقد حملت المدينة قبل ذلك أسماء عدة غير واضحة المعاني، منها كريات أربع؛ أي قرية الأربع، التي قد تعني القبائل أو التلال الأربعة، ومن ثم اشتهرت باسم "حبرى" و"حبرون"، مشتقة على الأغلب من فعل "حبر"، بمعنى ربط ووثق وصادق، أي صفة الصداقة (خليل الله) الذي تلقب بها سيدنا إبراهيم الخليل. وقد استمرت هذه التسمية مع صدر الإسلام، لتظهر في وثيقة (نطية) الرسول عليه السلام إلى تميم الداري ورهطه، ولتحل محلها تدريجياً "خليل الرحمن". ويكفي المدينة إجلالاً بأن نبي الله إبراهيم قد اختارها لتكون مدفن زوجته سارة، ومدفنه من بعد، لتتبعه ذريته، وهم: سيدنا اسحق، وسيدنا يعقوب وزوجاتهما، لتحاط هذه الجمهرة من القبور على يد هيرودوس الملك أو على الأقل باستخدام أسلوبه المعروف بـ "الهيرودياني" بسور شامخ عظيم البنيان، قاوم الدهر والحروب والدمار إلى يومنا هذا.

الطبيعة الجغرافية للمنطقة

تقع مدينة الخليل على بعد حوالي 30 كم إلى الجنوب من مدينة القدس، وترتفع المدينة ما معدله 950م فوق سطح البحر (حوالي 1300م فوق سطح البحر الميت)، ما يجعلها من أعلى مدن المنطقة، وقد كانت حتى القرن التاسع عشر أعلى مدن الشرق الأوسط. ومناخ المدينة معتدل، حيث يبلغ المعدل السنوي 15-16 درجة مئوية، والمعدل الشتوي هو 7 درجات، والصيفي 21 درجة. ويبلغ معدل التهطال السنوي حوالي 502 ملم.

والخليل، كانت آخر المدن الجبلية قبل الولوج إلى الصحراء، بمعنى أنها كانت مدينة تحدها البداوة وأنصاف البداوة من الجنوب والشرق. إن الموقع الإستراتيجي للمدينة يعود إلى الهضبة الجبلية الخصبة التي وفرت الأراضي الزراعية الملائمة لزراعة الكرمة وأشجار الفواكه التي تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة (التفاح، والكرز، والمشمش، والبرقوق، واللوز).

الوضع الاقتصادي

تعتبر الخليل اليوم مدينة حيوية من الطراز الأول، فعلى الرغم من الإغلاقات المتكررة والضغوطات المختلفة التي تتعرض لها، وبخاصة الاستيطان في قلب المدينة وعلى حدودها، فإن حركة البناء والاستثمار الصناعي والتجاري تعتبر من أعلاها في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. وتنبع ديناميكية المدينة من ذهنية العمل والحرف التي اشتهرت بها الخليل، هذا عدا عن تراكم رأسمال حيوي ومغامر جعل من المدينة العاصمة الاقتصادية لفلسطين.

اشتهرت الخليل بصناعاتها التقليدية منذ العصور الوسطى، كما اشتهرت أيضاً في تلك الفترة بمحاصيلها الزراعية المتنوعة كالعنب والزيتون. وعمل أهلها في التجارة والصناعة، وعرفت المدينة عدداً من الصناعات التقليدية التي ما زالت قائمة حتى اليوم؛ مثل صناعة الزجاج والخزف والفخار، وغيرها من الصناعات الحديثة التي ازدهرت إلى حد ما مثل صناعة الأحذية وقص الحجر وصناعة الموازين والأثاث المعدني وبعض الصناعات الغذائية والكيماوية. وتشير الدراسات والإحصاءات التي أجريت خلال السنوات العشر الأخيرة إلى أن الخليل أصبحت المدينة الأولى في فلسطين على مستوى الصناعة والتجارة. كذلك يعمل عدد من السكان بالزراعة، حيث أن المدينة محاطة بأودية وجبال خصبة. كما شكلت السياحة في العقود الماضية مصدر دخل لعدد كبير من سكان الخليل، حيث كانت المدينة جزءاً لا يتجزأ من البرامج السياحية، إلا أن هذا الدخل قد تراجع بسبب الأوضاع السياسية التي تعيشها المدينة، ما أدى إلى تراجع السياحة إلى مستويات لم تعرفها منذ القرن الثامن عشر.

تأسست أول غرفة تجارية في مدينة الخليل العام 1954 بهدف خدمة القطاع الاقتصادي من أجل تنمية المجتمع المحلي، وفي العام 1995 تأسس ملتقى رجال الأعمال بهدف النهوض بالوضع الاقتصادي وتسهيل التبادل التجاري بين الخليل وخارجها، كما عرفت المدينة العديد من الصناعات مثل: صناعة الأغذية، والبلاستيك، والمواد الكيماوية، والسياحية، والمعدنية، والجلدية، وصناعات أخرى مختلفة